المادة    
المذيع: إذاً دعنا ننطلق إلى السؤال من أجل أن يكون سؤالاً واقعياً، الآن أنا أسأل سؤالين في سؤال واحد: هل ولماذا ارتبط العنف بالعمل الإسلامي وحده؟ ولماذا انخرطت جماعات إسلامية في سلك العنف؟
الشيخ: الذي ربطه هو أن عدونا يشن هذه الهجمة وهذه الحرب النفسية، ونحن ما بين مستضعف لا يملك الجواب والحجة ولا يملك أن يوصلها، وبين منافق يداهن ذلك العدو، أنت الآن إذا قرأت كلاماً عن العنف في إعلامنا العربي في هذه الأيام أكثر ما تجد الحديث عنه في العالم الغربي الذي قامت حضارته على العنف، والذي يصدر لنا العنف بطريقة أو بأخرى، والجديد أن ينزل مفهوم العنف أو الإرهاب ليلبس علينا ويجعل قضايانا قضايا غير عادلة، ويجعل موقفه هو الموقف الـمُبرر والـمُسوغ أخلاقياً وعمليا وفلسفياً.. ومن هنا تأتي المشكلة.
المذيع: أعطيتني جزءاً من السؤال، أنا أسأل: (لماذا) وأنت أجبت على (لماذا) لكن: هل ارتبط العنف بالعمل الإسلامي؟
الشيخ: العمل الإسلامي فيه عنف، عندنا قاعدة تحدد لك هذه القضية.
المذيع: العنف بمفهوم المصطلح الإسلامي؟
الشيخ: عندما أتكلم فأنا أتكلم عن العنف المظلوم أي: المفهوم الإسلامي موجود نحن لا ننكره، قلت لك: نحن لا ننكر لا في العمل الإسلامي ولا في تاريخنا كله، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حدث من قائده خالد بن الوليد إن تجاوز في إحدى المعارك، وهي قصة مشهورة معروفة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرها.
هذا أمر؛ وأمر آخر أن تجمل القضية، وأن يلبس على الأمة، وأن يُراد منها أن تتخلى عن كل مصادر قوتها، وأن يستبد بأمرها، وأن تظلم وتقهر تحت وطأة هذا العدوان الغاشم، وهذه القوى الطاغية الباغية المستبدة ومن يواليها في أرض الإسلام، تلك قضية أخرى.
المذيع: إذاً أنت -يا فضيلة الشيخ- اعترفت بأن هناك عنفاً فيما بيننا؟
الشيخ: نعم.
المذيع: إذاً لماذا تُختار لهذا العنف الشرائح المتدينة لتنفيذه؟
الشيخ: هو هذا أيضاً مشكلة، فالتعميم الذي يقع في المصطلح يقع حتى في الفاعلين، من قال: إن العنف خاص بالشرائح المتدينة؟ نحن نعلم ونشاهد ورأينا أن الذين قدموا أكبر التضحيات، الذين كانوا الضحايا الأكثر للعنف في العالم الإسلامي هم الدعاة.
قد لا نحتاج أن نسمي، لكن خذ الدول يميناً وشمالاً، أكثر من ذهب ضحية بالعنف والاستبداد والدكتاتورية والإفراط في استخدام القوة هم الإسلاميون، هم الدعاة، لم تمتلئ السجون في يوم من الأيام في أي بلد بأكثر مما امتلأت من الدعاة، لم يعاقب مجموعة وجماعة بكليتها كما عوقب دعاة الإسلام في بلدان العالم الإسلامي.
المذيع: كن صريحاً قليلاً .. تقصد من الحكومات الإسلامية؟
الشيخ: بالضبط، من الحكومات الإسلامية والأحزاب العلمانية .. وبتأييد من المفكرين ..
المذيع: ولكن من بدأ العنف: الحكومات أم الجماعات الإسلامية؟
الشيخ: ليس هناك أي شك، وأعتقد أن التاريخ واضح في هذا: أن الذي بدأ العنف هي الحكومات المستبدة .. هي الأحزاب الشمولية .. هم الأفراد الطواغيت الذين نصبوا أنفسهم ليفرضوا ما يشاءون وعلى الأمة فقط أن تسكت، هذه حقبة عشناها جميعاً أيام الناصرية وما بعدها، وهي أمر معروف، لا مجال للمكابرة فيه، وأعود وأقول: لا أزكي أو لا أنفي أن في الطرف الآخر أخطاء، لكن إذا كانت القضية قضية من الذي فعل، فنحن من خلال حضارتنا الإسلامية عندما كانت الأمة تحكم بالإسلام ولو على ضعف وانحراف لم تكن هذه المظاهر موجودة.
الشمولية المطلقة في الاستبداد إنما جاءتنا من الحضارة الغربية؛ لأنها استطاعت أن تجمع بين المذهب الجماعي الشمولي المتسلط وبين قوة ضاغطة ومسيطرة. أما في ظل الحضارة الإسلامية فلم تكن هناك أي قوى مسيطرة، مهما كان الخليفة قوياً لا يستطيع أن يضبط الأمة؛ لأن الأمة مفتوحة، الهجرة والدخول والخروج، لم يكن مثل الآن، متابعة الناس ماذا يفكرون لم يكن مثل الآن.
يمكن أن يترصد لعائلة أو لبيت معين منافس في الحكم، يمكن أن يكون هناك ملاحظات على العاصمة وما حولها، لكن على مستوى الأمة لم يكن إلا بعد الثورة والتقنية الصناعية التي خدمت الاستبداد وخدمت الطواغيت، فأفرزت لنا الفاشية والنازية والشيوعية والاشتراكية، كل هذه المذاهب الشمولية، ثم جاءت هذه المذاهب إلى العالم الإسلامي واستوردت، فوجدنا ما كان يطبق في ألمانيا يطبق في بلاد عربية معروفة.